همسة تربوية
عندما نغرس قيم الجمال والإبداع
ما أجمل تطبيق القيم الاجتماعية في كل مدارسنا وتعليمها لأطفالنا منذ نعومة أظفارهم، وذلك بأن يتم اختيارها بواسطة المعلم ويقوم بتثبيتها على جدران الصفوف الدراسية وحيطان المبنى المدرسي، كقيمة التعاون، والإحسان إلى الفقير، وقيمة الوقار واحترام الصغير، والاستقامة، وغيرها من القيم الإجتماعية الأخرى، هذه القيم غالباً ما تكون شهرية بالمدارس إن لم تكن إسبوعية، يتعلم من خلالها الطالب ويطبق ما تعلمه على أرض الواقع، وهذا يُحسب للمدرسة التي يتعلم فيها هذا الطالب، كما يُحسب إنجازاً لإدارة المدرسة وموظفيها.
هذه المقدمة تقودني إلى أهمية التربية الفنية بالمدارس والمؤسسات التعليمية في تعديل السلوك الإنساني، وتهذيب العقل وصقل الروح، والتربية الفنية هي أحد الأنشطة المدرسية، وهي الوسيلة الحسية المهمة من وسائل المعرفة، كما أنها تعمل على تنمية العضلات الرقيقة حين الرسم و التلوين أوعند الخطوط الكتابية، حيث تصقل التربية الفنية الطفل بالمهارات اليدوية من خلال الأنشطة الفنية، وتنمي عنده الحس الجمالي والتذوق الفني، لذلك عندما نذهب إلى المكتبات الخارجية لشراء بعض الأغراض لأبنائنا من مستلزمات مدرسية، نجد أطفالنا أول ما يهتمون به، هو شراء دفاتر الرسم وعلبة الألوان فضلاً عن إختياره الثاني والذي غالباً ما يكون من المستلزمات الرياضية التي تخصه بمدرسته، إذاً من خلال ما تم ذكره أعلاه، نجد أن الطالب يحب حصص التربية الفنية والرياضة، وهذا يقودنا إلى أهمية الحس الفني وبناء الجسم السليم وهاتان القيمتان تقودان إلى تهيئة الطالب اجتماعياً ووجدانياً، كما تقودان إلى الجمال والإبداع.
ولأن الذوق الجمالي مغروس في الإنسان منذ نشأته، فهو لا يقدر أن يعيش بدونه، لذلك نجد الطفل يرسم خطوطاً متشابكة نحن نراها عشوائية ولكنه مقتنعٌ بها لأنه يجد نفسه في هذه الإنجازات البسيطة المتواضعة، وهنا علينا بتوجيه الطفل فقط، وليس بمسح ما كتبه أو رسمه، ومع التقدم الزمني والإجتماعي للطفل حتماً سيتعلم بطريقةٍ أفضل، وهنا نحن كمعلمين لا نُعلِم الطفل الرسم كرسم أو الفن كفن، فهذه موهبة، ورغبة الفرد ستتطور بمرور الأيام، لأننا لسنا غاية بالنسبة له، إنما نحن الوسيلة لبلوغ غايته، فنحن نساعده بالتوجية حتى يتطور ولكننا لا نُعلِمه الموهبة، بل نشجعه عليها إن وجدت أو نطورها له دون تدخل مباشر ليتعلم الإستقلالية والاعتماد على النفس، بل نُعلِمه كيف يفكر وكيف يبتكر بحرية مع ملاحظة مجهوداته بحذر، ومهمتنا مراقبتهم وإعانتهم وتوفير ما يحتاجونه من مستلزمات تعينه في الرسم والتلوين، حينها سنجد منهم العطاء وجمال الإبداع، لأن في الفن يرى الطفل شخصيته مستقلة ويرى ذاته القادرة، وأستحضر عندما كنا صغاراً بالمرحلة الإبتدائية في حصص التربية الفنية نرسم ونلون وأثناء تنفيذ العمل واستخدام الألوان ندندن بأصوات هادئة ومُعلِم التربية الفنية يلاحظنا ويسمعنا ويتجول حولنا دون أن يتدخل في أعمالنا الفنية ، كان فقط يتدخل حين نسأله في مساعدة معينة أو لاستعارة قلم ملون من زميل، لذلك تتجلى مدى أهمية التربية الفنية في حياة الفرد وتنعكس على السلوك والثقافة وغرس قيم الجمال والإبداع بداخله.
أخيراً الفن وسيلة تخاطُب بين الفنان والمجتمع والإبداع هو القدرة على الرؤية والإدراك ومن ثم الإستجابة والتفاعل، وهو مرآة الحضارات على مر العصور حيث يتعلم الطالب من خلال التربية الفنية المهارة في استخدام الأدوات والخامات المتنوعة والتوازن بين القيم العلمية والتقنية وبين القيم الجمالية والروحية، والفن هو التوافق بين عالم الجمال وعالم الوجدان. والفن عموماً يساعد على نمو الطفل العاطفي والفكري والبدني والإدراكي والاجتماعي والجمالي والإبداعي، والتعبير الفني موحى من الطبيعة، فليس اليد هي التي توحي فقط.
د.عبدالله إبراهيم علي أحمد
خبير المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية
us_abdo@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق