همسة تربوية
التقليد الناسخ
الطفل منذ نعومة أظفاره ينشأ مقلداً للآخرين خصوصاً الأكبر منه سناً محاولاً أن يكون مثلهم، فأول من يتأثر بهم هو أمه و أبيه، فيحاول أن يقلدهم ويتشبه بهم، وكذلك المعلم في المدرسة الذي يدرسه يحاول جاهداً أن يكون مثله في أفعاله وأقواله، وحين نسأله يقول المدرس يفعل ذلك، ومتى كان معلمه حسن التعامل تشبه به بل حتى السلوك يكتسبه ويتعلمه من معلمه المباشر ويبدأ الصغير يتلفظ بنفس ألفاظ المعلم التي تعلمها منه في المدرسة، وحتى في عمل الأب ووظيفته تؤثر فيه إلى حدٍ كبير ويريد أن يكون مثله، وعلى سبيل المثال في حالة وظيفة أبيه شرطياً، يريد الصغير أن يكون شرطياً مثل أبيه حين يغدو كبيراً وإن كان والده ضابطاً أراد أن يكون ضابطاً وإن كان مهندساً أيضاً يريد أن يكون كذلك، وفي السلوكيات حين يرى والده يدخن السجائر قد يريد البعض أن يدخن لأن والده ينتهج هذا السلوك، وإذا ساعده في الرفقة معه إلى المساجد شب الطفل مثل أبيه وتعلم منه هذا السلوك فيواظب على إرتياد المساجد ويذهب لوحده إليها باستمرار طوعاً في حالة غياب والده، فيريد الطفل وهو صغير أن يقلد والده في كل شيء بحكم وجوده معه بالمنزل دائماً، وأن يلبس ثيابه ونعاله ويتشبه بوالده، ويقع على عاتق الأسرة مهام كثيرة تجاه الأبناء في اكتساب القيم الدينية والروحية والحث عليها لما له الأثر الفعال، كما أن تنمية الجانب الروحي في شخصية الطفل السليم تعني تزويده بشخصية إيمانية تعطي حياته القيمة الحقيقية وتمنحه البهجة والسعادة والأمل، إذاً الحياة الروحية هي الضابط الحقيقي، والتعلم يتم عن طريق التقليد أو الاكتساب، فيعمل الطفل على مطابقة سلوكه وسلوك شخصٍ آخر مثلاً الطفل يقوم بتحية جارهم لأن أباه يفعل ذلك، إذاً علينا نحن الكبار أن نتحلى بالانضباط في كل شيء حتى يشبوا أولادنا مثلنا، فالتنشئة الإجتماعية مهمة لأبنائنا منذ صغرهم ليتم تفاعلهم مع المجتمع، فيحدث التقميص من خلال التنشئة الاجتماعية لدور الكبار في سلوكهم الإجتماعي، وتُعد عملية التقميص من أهم العمليات التي تعتمد عليها التنشئة الاجتماعية فيكتسب الطفل قيمة اجتماعية خاصةً قيم والديه.
إذاً أطفالنا أذكياء ويعرفون كيف يتصرف الكبار من أهلهم في البيت أو خارجه، فلزم علينا أن نعلمهم السلوك القويم مثل النظام والنظافة والتواضع والإعتذار عند الخطأ والإهتمام بدروسهم والإبتسامة التي تشرق بين الشفاه فتضيء القلوب وتزيد الوجوه جمالاً، والإخلاص والصدق والصراحة وتعويدهم على قضاء حوائج الناس والمحافظة على الصلوات بما في ذلك صلاة الضحى والإنفاق، فقد لاحظتُ كثيراً من الناس في المساجد، أن الأب يعطي مبلغاً من المال لإبنه الصغير ويأمره بأن يرميه في صندوق التبرعات الموجود أمام المسجد بنفسه، وهذه قيمة اجتماعية نبيلة، فينشأ الإبن عارفاً بأهمية الإنفاق.كذلك منعهم لرمي مناديل الأوراق وعلب العصائر الفارغة من أبواب السيارة بدلاً من أن نرمي نحن الكبار السجائر مشتعلة على الطريق، فالطفل يسلك سلوك والده ووالدته، فمتى لاحظ الصغير هذه السلوكيات الفاضلة كان التقليد ناسخاً و شب عليه وظل يقلد الآخرين ويستمر على ذات النهج فيصبح السلوك هنا ثقافة مجتمع يجب أن يؤدية على أكمل وجه ليكون مثقفاً إجتماعياً.
أخيراً غالباً ما يتعلم الصغار السلوكيات ويكتسب مهاراتها ومعارفها منذ صغره، فينشأ على ذات السلوك الذي وجده عند الآخرين ما إن كان سلوكاً جيداً أم غير ذلك، فعلينا بمراقبتهم ومتابعتهم وحثهم على السلوك الجيد وتطبيقه فعلياً بقدر الإمكان و كلنا خطَاء وخير الخطَائين التوابون، فيجب ألاَ نكون كالذي يسمع حديثاً جميلاً ولا يرى من الجميل فعلاً.
د.عبدالله إبراهيم علي أحمد
خبير المناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية
us_abdo@hotmail.com